الجزء الثاني رواية بقلم نونا المصري
خانتها ونزلت بعد ان تذكرت تلك الليلة الموحشة بالنسبة لها وتقدمت من مكتب الطبيبة ثم قالت مرحبا ايتها الطبيبة
فابتسمت الطبيبة الشقراء وقالت اهلا تفضلي بالجلوس رجاء
مريم شكرا لك
الطبيبة لقد اخبرتني الممرضة ان فتاة عربية جميلة قد اتت لكي تجري فحصا هنا ولكنها اخطأت عندما قالت عنك جميلة فأنت فائقة الجمال يا عزيزتي
الطبيبة اخبريني اذا هل انتي متزوجة
في تلك اللحظة شعرت مريم بغصة مريرة في قلبها وتمنت ان تقول لا ولا ولا ولكن كيف تقولها وهي الحقيقة المرة فأومأت برأسها دليلا على نعم دون ان تتفوه بأي حرف
اخر فهمهمت الطبيبة قائلة وهل اجريتي الفحص المنزلي
مريم لا لم افعل
حسنا استلقي من فضلك على السرير حتى اتمكن من اجراء فحص الډم لك
مريم حسنا
قالت ذلك ثم نهضت من مكانها
وخلعت معطفها ووضعته على الكرسي وبعدها استلقت على السرير كما طلبت منها الطبيبة التي نهضت من مكانها ايضا ثم اقتربت منها وقالت ارفعي كم قميصك من فضلك
فقامت مريم برفع كم كنزتها الصوفية حتى تتمكن الطبيبة بسحب الډم من ذراعها وما ان قامت بغرس الأبرة في ذراعها حتى شعرت بالقشعريرة تسري في جسدها ولكن سرعان ما اعتادت على الوضع وبعدما انتهت الطبيبة من سحب كمية الډم المناسبة نظرت إليها
مريم حسنا شكرا لك
قالت ذلك ثم اخذت معطفها وحقيبتها وخرجت من الغرفة وهي تضع قطنة بيضاء على مكان غرس الآبرة حتى تمنع خروج قطرات الډم الصغيرة من عروقها البارز لشدة نحافتها ثم جلست في الردهة الواسعة تنتظر نتيجة تحليلها وسرعان ما مر الوقت بسرعة حتى استدعتها الطبيبة مجددا ثم قالت بابتسامة عريضة تهاني لك فأنت حامل بالفعل
أحتارت الطبيبة من امرها وقالت اجل عزيزتي بناء على تحليل الډم الذي اجريتيه اتضح انك حامل منذ اربعة أسابيع تقريبا لذا يجب ان تهتمي لصحتك جيدا وانا سوف أصف لك بعض الفيتامينات لأن التحليل اظهر انك تعانين من فقر ډم ايضا وهذا ليس جيدا من اجل الطفل
وبالفعل قامت الطبيبة بوصف الدواء لها واخبرتها بأنها يجب ان تأتي إلى المستشفى مرة اخرى لأجراء الفحوصات اللازمة للإطمئنان عليها وعلى الجنين وبعد تلك الصاعقة التي تعرضت لها خرجت من المستشفى وكأنها زومبي خالي من الروح وهي تحمل بيدها كيس بلاستيكي يحتوي على علبة فيتامينات ولم تصدق انها حامل حقا ومن من من ادهم عزام السيوفي الذي سبب لها چرح كبير في المشاعر عندما عاملها بقسۏة شديدة كما تعامل العاھړات
لقد أصبحت ملكه بالفعل حتى ولو انكرت ذلك مئات المرات وانكرت زواجها السري
به الا انه سيأتي يوم ويعلم العالم أجمع بأنها قضت لليلة جامحة مرعبة مع ادهم عزام السيوفي حبيبها الأزلي الذي لم تسنح لها الفرصة بأن تعيش معه الحب
فاخذت تمشي في شوارع نيويورك بخطوات ثقيلة ودموعها لا تتوقف عن الانهمار ولا تعلم ان كانت حزينة لأنها ستضطر لمواجهة حبيبها القاسې الذي هربت منه وقررت ان ټدفن حبها له في اعماق قلبها وان تنساه ام انها سعيدة لأنها حملت بأبنه بقطعة منه تكونت داخل رحمها لتصبح روحا طاهرة نقية لا يتعدى عمرها سوى اربعة أسابيع اربعة أسابيع لم تراه خلالها ولو لمرة واحدة اربعة اسابيع عاشتها كما لو كانت جسد يتحرك بلا روح لشدة حزنها على مۏت أختها مرام التي تبخرت من الدنيا كنسمة الهواء النقية ولكن بغض النظر عن هذه الحزن الا انها شعرت ببعض السعادة خلال الفترة التي قضتها برفقة عائلة السيد عمر حيث انهم خففوا من وحشتها وحزنها العميق ولكن ها هي تعود لذلك الحزن المستبد الذي اقسم بأنه لن يفارقها ما دامت حية ترزق
فلم تحتمل كبت مشاعرها اكثر من ذلك لذا اڼفجرت باكية في الشارع امام المارة الذين اخذوا يحدقون بها وعلامات الاستفهام تعلو وجوههم فمنهم من ظنها مچنونة ومنهم من شعر بالأسى عليها وخصوصا لأنها هوت جالسة على الرصيف وهي تبكي بمرارة وقهر شديد وبقيت تبكي وتبكي وتبكي حتى جفت الأنهار في حدقتيها العسليتين فمسحت اثار الفيضان الذي سال على وجنتيها وهي تشهق ثم نهضت وحملت كيس الدواء ووضعته في حقيبتها وبعدها قررت ان تعود إلى منزل السيد عمر لترتمي بين
احضان صديقتها المخلصة الهام التي تخلت عن حلمها في العمل بشركة رويال العالمية لتتبعها الى هذه البلد الغريبة لذا مشت بضع خطوات حتى توقفت بالقرب من جانب الطريق واخذت تحاول ايقاف سيارة اجرة
ومن جهة اخرى
جاء ذلك الشاب المفعم بالحيوية الذي كان يقود سيارته السوداء المكشوفة متجاهلا برودة الجو ليسمح للهواء النظيف ان يلامس بشرته الحليبية ويتغلقل داخل خصلات شعره الاسود الناعم وهو يتراقص بأصابع يديه على مقود السيارة مستمعا
لتلك الموسيقى الكلاسيكية الهادئة فوقع نظره عليها وهي تحاول ايقاف سيارة أجرة ولا يعلم لما رفرف قلبه بعد ان رآها وما هق الا ثواني حتى انحرف بسيارته عن الطريق متجها نحوها ثم توقف
بالقرب منها وضغط على البوق ليفزعها صوته فأنتفظت من مكانها والتفتت الية لتجده يبتسم لها وهو يضع نظارته الشمسية الداكنة التي زادته وسامة في تلك اللحظة لا تعلم لما شعرت بالأرتياح لمجرد ان رأته يبتسم نعم هي لم تقابله سوى مرة واحدة ولكنه استطاع بخفة دمه وشهامته ان يترك لديها شعورا عذبا فابتسمت وكأنها نسيت الحزن الذي كان يأكل قلبها منذ لحظات قليلة وقالت بصوتها العذب استاذ خالد
فأتاها صوته
الحنون يسألها ازيك يا مريم
أقتربت من السيارة قليلا ثم قالت الحمد لله وحضرتك
خالد كنت كويس بس دلوقتي بقيت زي الفل طبعا بعد ما قابلتك مرة تانيه
مريم متشكره
خالد شكلك محتاجة توصيلة وانا معنديش حاجة دلوقتي هقدر اوصلك
فابتسمت وقالت ميرسي بس مش عايزة اتعبك معايا
خالد ولا تعب ولا حاجة دا اقل واجب اعمله تجاه بنت بلدي
فاتسعت ابتسمتها ثم فتحت باب السيارة وصعدت الى جانبه دون تردد ونظرت إليه مادة يدها لتصافحه قائلة انا مبسوطة اني شفتك مره تانيه
فصافحها بدوره وقال متشكر ودلوقتي رايحه فين
مريم راجعة البيت
خالد اوك
قال ذلك ثم انطلق بالسيارة مجددا وهو ما يزال مبتسما فالټفت اليها وسألها ها عجبتك العيشة في نيويورك
فنظرت اليه ثم ابتسمت ايضا وقالت ايوا مع اني لسه معرفش كل الاماكن فيها بس جميلة
خالد انا قولتلك هفسحك لما نوصل بس مع الاسف ماتقابلناش مرة تانية وانتي ما اتصلتيش بيا علشان موضوع الشغل فقولت جايز تكون نسيتني
فشعرت مريم بالحرج من نفسها لذا تردفت بتوتر انا اسفه يا استاذ خالد بس مكنتش عايزة اتعبك معايا اكتر من كدا يعني
فابتسم خالد وقال ما تخديش كلامي بجد انا بهزر معاكي وكمان انتي عندك حق يعني ما ينفعش وحدة بنت زيك تتصل براجل غريب عنها علشان يفسحها في بلد متعرفش فيها اي حاجة
فأحنت مريم رأسها ولم تعلق لان كلامه كان صحيحا بالنسبة لها فهي وجدت انه من غير اللائق أن تتصل به لكي يتنزه معها ويعرفها على معالم نيويورك وهو غريب عنها قابلته لمرة واحدة اثناء رحلتها الجوية اما هو فقال لكي يكسر حاجز صمتها امل فين صاحبتيك التانية اسمها الهام برضو مش كدا
رفعت مريم رأسها مجددا وقالت ايوا اسمها الهام هي في بيت عمها دلوقتي البيت اللي حضرتك وصلتنا عليه لما جينا هنا لاول مرة
خالد اه فاكره كويس
مريم هو انا عطلتك عن حاجة يا استاذ خالد
فابتسم خالد وقال لأ ابدا انا في إجازة النهارده وقلت اتفسح شوية بما ان الجو حلو وبعدها قابلتك
ميرم بسم
الله ما شاء الله عربيتك تحفة اوي باين عليها غالية مش كدا
فضحك خالد وقال مش كتير عجبتك لو عجبتك اعتبريها هدية
فضحكت مريم على سخافة الموقف وقالت لا مكنش القصد اساسا انا معرفش اسوق وما عنديش شهادة سواقه
خالد خسارة كانت هتبقى اجمل لو سقتيها انتي
فشعرت مريم بالخجل لانه تغزل بها بطريقة غير مباشرة لذا أحنت رأسها مجددا ولكن سرعان ما تلاشت ابتسامتها عندما نظرت إلى بطنها وعادت ملامح الحزن لتخيم على وجهها البريء وسرعان ما تجمعت الدموع في حدقتيها مجددا وما لبثت حتى تمردت عليها دمعتها السجينة ونزلت رغما عنها في تلك اللحظة انتبه عليها خالد وهي تحاول مسح دموعها بينما تنظر إلى الجهة الأخرى حتى لا يراها فغابت الابتسامة عن وجهه وحل محلها ملامح القلق فسألها بينما ينظر ثانية اليها وثانية الى الطريق امامه قائلا خير يا مريم هو انا قلت حاجة تزعلك علشان كدا بټعيطي دلوقتي
فهزت مريم رأسها بالنفي دون أن تنبس بكلمة واحدة فقط كانت تنظر إلى اصابعها وهي تعبث بسلسة حقيبتها التي في حضنها بينما كانت خصلات شعرها تتطاير مع الهواء العليل فسألها خالد مجددا امال بټعيطي ليه دلوقتي
استرجعت مريم رباطة جأشها ونظرت اليه ولم تجد خيارا آخر سوى الكذب إذ قالت اصلي افتكرت اختي الصغيرة هي كانت بتحب العربيات المكشوفة اوي
فشعر خالد بالذنب لذا
قال بسرعة انا اسف مكنش قصدي افكرك
مريم ولا يهمك
ثم دام الصمت قليلا ولكن ليس لأمد طويل حيث اراد الشاب ان يخرجها من حزنها لذا اردف بنبرة مرحة قوليلي يا مريم هو انتي وراكي حاجة النهاردة
فنظرت اليه وهزت رأسها بالنفي قائلة لأ مفيش حاجة معينة
فابتسم وقال كويس يبقى انا هفسحك النهاردة زي ما وعدتك لما كنا في الطيارة قولتي ايه
فنظرت مريم اليه مطولا ولا تعلم لما أومأت له بالموافقة هل لأنها لم تريد احراجه ام لأنها كانت فعلا تحتاج لهذه الفسحة لكي تمحي قسما من احزانها وترميها خلف ظهرها فابتسمت وقالت ماشي بس عندي شرط واحد
خالد وايه هو
مريم عايزاك توديني عند تمثال الحرية اصلي
ھموت وشوفه من قريب
خالد بس كدا حاضر يا ست مريم اعتبري نفسك هناك
وبالفعل اخذها خالد الى منطقة تمثال الحرية واستمتعت بمشاهدته