الجزء الأول بقلم ياسمين عادل
الذي على عقلها الآن يمنعها حتى من التفكير ب روية أو التركيز في حديثه بينما تابع يونس
كان عندك عشر سنين وقتها جيتي مع عمي المطار لما كان بيستقبلني أنا وأبويا الله يرحمه
أجفلت بصرها وكأنها لا تود التحدث ف نهض عن جلسته مستعدا للرحيل وهو ينهي حديثه الذي أحس إنه ثقيلا عليها الآن
أنا هسيبك ترتاحي وبعدين نتكلم
أنا إيه اللي جابني هنا
ف الټفت برأسه إليها وهو يجيب بصراحة مطلقة
انتي ضيفة هنا بس ضيفة مطولة شوية
تنغض جبينها بعدم فهم و
يعني إيه ضيفة مطولة!!
رغبت في النهوض عن الفراش ولكن مفعول المخدر ما زال مؤثرا على ساقها بالكامل وكأنها فشلت في تحريكهما ف زفرت وهي تقول
كانت أجوبته مبسطة وكأن الأمور غير معقدة بالمرة
أنا اللي جيبتك هنا ليه دي هتحتاج إجابة من شخص تاني مش مني
تنهدت ب انزعاج و
من مين
عمي عمي هو اللي أمر إنك تقعدي هنا
وأشار حوله وهو يتابع
المكان هنا هادي ومريح عشان أعصابك بعيد عن العاصمة وقرفها
انقبض قلبها وهي تعقب على عبارته الأخيرة بذهول
ف أشار بسبابته نافيا وهو يمط شفتيه للأمام
تؤ تؤ تؤ انتي هنا في مزرعة الخيول بتاعتي أجمل مكان في مصر كلها
نظر في ساعة الحائط و
الساعة بقت ٦ الصبح هنكمل كلامنا بعدين
لأ استنى
أجبرت ساقيها على النهوض وهي تقول
أنا أعصابي مش هترتاح طول ماانا مش في بيتي رجعني دلوقتي
كانت ملامحه مرتخية للغاية جمعت بين الهدوء والرزانة وبين نبرة حازمة ترفض المناقشة
وأشار بيده مؤكدا من جديد
هنا ياملك
ثم فتح الباب وهم ليخرج منه
خلي بالك الفطار هنا الساعة ٩ ونص
وأغلق الباب من خلفه بل أوصده بالمفتاح من الخارج أيضا وكأنها بالفعل سجنت هنا
حتى الآن لم تبدي رد الفعل الذي توقعه توقع أن تصرخ وتصيح أن تكسر وتهدم سعيا خلف الخروج من هنا ولكنها لم تفعل أيا من ذلك
هل يعقل إنه فعلها من جديد هل خذلها وخذل توقعاتها مرة أخرى! لا تدري ولكن بداخلها قلق وهي عاجزة عن تجميع النقاط لتنشئ قصة تستطيع من خلالها فهم ما حدث لا بد إنها تحلم حتى إنها عادت تغفو من جديد معتقدة إنها ستصحو على واقع آخر غير ذلك ستصحو على واقعها
في إيه ياوله داخل تزعق كده كأني طرشة مش هسمعك في إيه
لقيتها لقيتها ياما
قالها وهو يتنفس بصعوبة كأنه كان يركض منذ لحظات رمقته والدته بنظرات متعجبة وقد انقطب جبينها بعدم فهم
مين دي اللي لقيتها
ملك ملك بنت خالتي منار
شهقت تفيده وهي ټضرب على صدرها غير مصدقة بعد كل تلك السنوات من الغياب والإختفاء تظهر فجأة أمامهم بعدما ضاعت سنين في البحث عنها وعن والدتها التي لم يظهر أثر حتى لجثمانها أوفضت تفيده نحوه و
لقيتها بجد هي فين
اللي ما يتسمى إبراهيم رجع بيتهم القديم اللي سابه من زمن وهي كانت معاه ليلة امبارح في البيت لازم نلحقه قبل ما يختفي تاني ده انا ما صدقت
عطرت فيه لقيته
تلهفت لرؤية ملك إبنة شقيقتها التي اختفت في ظروف غامضة حتى الآن لا أحد يعلم أين هي وانشرح صدرها أخيرا لأنها سترضي رغبتها في رؤيتها ابتسمت وهي تقول ب ابتهاج
طب بسرعة روح هاتها عايزة اشوفها
عبس ربيع بوجهه مستنكرا طلبها و
أجيبها فين مش لما نمهد لها الموضوع الأول يمكن متوافقش!
عقدت تفيده حاجبيها ب استهجان وهي توبخه بقولها
نمهد إيه وزفت إيه هي لسه هتفكر
ڠصب عنها لازم تيجي تعيش معايا مش كفايه اتحرمت من امها اللي مش عارفه فين أراضيها لحد دلوقتي
وجلست على الأريكة وقد ظهرت سمنتها المفرطة وتابعت
أكيد أبوها كدب عليها زي ما كدب علينا وقال إنه رجع من بلاد برا ملقهاش فى البيت منه لله مش مرتاحه له
وأشاحت له
تروح تطقس وتعرف مكانها وانا هروح بنفسي اجيبها دي بنت الغالية وما صدقت هشوفها من تاني
حاضر هروح فريره بسرعة
ف تنهدت بضيق وهي تهمس
ياترى فين أراضيكي يامنار ياختي!!
يعني إيه مكلتش
سأل إبراهيم سؤاله بضيق اعتراه عندما كان يسأل عن حال ابنته في أول يوم غياب لها عنه ف أجاب يونس بنفس الهدوء
يعني من الصبح م أكلتش حاجه نامت ومن ساعتها كل ما ابص عليها ألاقيها في سابع نومه تقريبا مفعول المخدر لسه مأثر عليها
أجفل إبراهيم بحزن شديد ونظر للعامة من حوله في المقهى الذي يجلسون به وهو يبحث عن وجهها فيهم هي وحيدته رغم قسوته وتعنفه في تربيتها إلا إنها غاليته التي بقيت له في هذه الدنيا ولا يتحمل أن يصيبها سوء
كان يونس مراقبا جيدا لتعابير وجهه المعبرة قارئا ما بينها من مشاعر متضاربة بين الندم على استبعادها عنه وبين القوة التي يحاول استدعائها ولم يمنع فضوله من السؤال واعتدل في جلسته وهو يردف
عمي
انتبه له إبراهيم ف تابع
ليه عملت كده ليه خلتني أخدها عندي وسيبتلي أمانة معرفش هرجعها أمتى ولا حتى عرفتني السبب
لم يرغب إبراهيم في إخباره عن حقيقة الأمر وحاول مراوغته
بعد طلاقها نفسيتها في النازل و
عمي!
قطع عليه حديثه غير مصدقا أيا منه و
مش ده السبب وانت عارف ده ! يزيد كمان يعرف ومش هيقول حاجه بس انا لازم اعرف عشان أقدر أساعدك
كأنه لم يكن مؤثرا عليه بشكل كافي لكي يجعله يتراجع عن موقفه و
أنت بتحمي بنتي يايونس مقدرش أقول حاجه تانية
ضاقت عيناه وقد أحس بأن طلبه لحمايتها كان طرف الخيط الذي سيقوده للأمر و
من مين طليقها
وتقلصت تعابير وجهه متابعا
طليقها حاول يتعرضلها أو يعملها حاجه!
هز إبراهيم رأسه نافيا و
لأ بتحميها من نفسها
تذكرت كل شئ كاملا تذكرت أن آخر ما حدث هو حديثها عن حبها وذاك الرجل الذي اختارته بعدما خذلها زوج ملعۏن ضړب بها إلى أسفل سافلين واستطاعت أن تربط الخيوط سويا لتكتشف إنها سجنت هنا برغبة من والدها الذي خدعها كي يستدرجها في الحديث وأخيرا أرسلها للمنفى بعيدا
لم تكتفي من البكاء ساعة كاملة منذ أن استعادت وعيها كاملا خاصة حوارها القصير ما من يدعى إبن عمها بينما الحقيقة إنها لم تره منذ سنوات ظلت نائمة بمكانها ودموعها تنسال لتتخلل الوسادة التي تشبعت بالدموع لم ترتاح بأي شكل خرجت من مسجنها لتدخل إلى محبس أكبر منه ولكنه مزدان قليلا في النهاية هي محتبسة
مر يونس من أمام غرفتها ف تسلل لمسامعه أنينها الخاڤت ف اقترب أكثر ليصل صوت شهقاتها فتح الباب الموصد بالمفتاح بعدما طرق عليه ووقف بالخارج وهو يستأذنها
ممكن أدخل
انتبهت لتواجده ف تحكمت بنفسها ولملمت شتاتها اعتدلت في جلستها وقد تحررت رأسها من الحجاب ونهضت من مكانها وهي تقول ب إصرار
أنا عايزة امشي من هنا حالا
دخل أغلق الغرفة وهو يقول
للأسف صعب
الټفت ينظر لعيناها التي أصبحت كتلتين من اللون الأحمر وهو يتابع
تأقلمي على الوضع الجديد على فكرة ال view هنا حلو وهيعجبك
وأشار نحو الشرفة التي تطل على الحديقة وقبل أن يهم لفتحها كانت تصيح بأعلى صوت لديها
ڤيو إيه اللي بتكلم عنه!! بقولك مشيني من هنا
توقف بمحله هنيهه ثم الټفت برأسه نصف التفاته وهو يسأل بتجهم
انتي زعقتي ولا أنا متهيألي
فلم تهتم بهذا الإنذار الهادئ وتابعت صياحها الهادر
آه بزعق مش من حقك تقعدني هنا ڠصب عني
وكأن إنسان آخر يقف أمامها الآن التعابير الغامضة والممتعضة في آن والتي بزغت في وجهه جعلتها تفكر ثانية في حين إنه لم يمررها لها في أول أيامها هنا في حصنه وأعلن صراحة
أسمعيني كويس أنا ألطف إنسان ممكن تعامليه في حياتك بس هتلاقي مني أسوأ واحد ممكن تشوفيه متعصب في حياتك بلاش تطلعي البني آدم ده من جوايا
وقبل أن تبدأ بحديث غير عابئة بما قال
أنا مخلصتش الأوضة دي ممكن تبقى جنة وبأيدك ممكن تخليها ڼار أحسن ليكي تقبلي بالوضع اللي هتفضلي فيه من النهاردة
ورفع سبابته محذرا بنبرة لن تقبل المجادلة
وإياكي إياكي تعلي صوتك وانتي بتكلمي معايا مرة تانية
وأشار على رأسه قائلا كي يصرف عقلها عن التفكير من الخروج
بدل ما تفكري تخرجي من هنا فكري انتي ليه هنا
وخطى نحو الباب وهو يقول آخر كلماته
أبقي افتحي البلكون لنفسك بدل ما ټموتي مخڼوقة
وصفق الباب معبرا عن غضبه منها في أولى تعاملتهم معا تاركا عقلها يدور هنا وهناك في آخر عبارة له لماذا هي هنا الآن
انتهى رمزي من حقنه بالمادة المسكنة التي تخفف بعض من آلامه ثم تركه يرفع بنطاله وهو يردد ب انزعاج
مينفعش اللي بتعمله ده ياعم إبراهيم الحقن اللي بديهالك دي يدوب بتسكن الألم مش بتعالج
جلس إبراهيم على طرف فراشه ببطء كي لا يشعر بوخزاتها المؤرقة قائلا
المهم الۏجع يبعد عني وأقدر أنام يابني
مسح رمزي يده ب معقم اليدين وهو ينفي صحة معتقداته
غلط لازم تروح مستشفى وتعمل تحاليل وإشاعات كاملة على الصدر والرئتين وهما يحددوا العلاج المناسب انت كده بتقضي على نفسك
على الله يا رمزي أنزل انت عشان دكتور ماهر صاحب الصيدلية ميضايقش إني أخرتك
ف أطرق رمزي رأسه بعدم رضا و
ماشي ربنا يشفيك ويعافيك يارب
يارب
خرج رمزي واتجه نحو باب الشقة مغادرا بينما نهض إبراهيم عن مكانه وراح يتفقد الأدراج خاصته كانت تحوي نتائج تحاليل طبية تخصه وإشاعات مقطعية تفسر حالته المړضية نظر إليهم بنظرات مشفقة على حاله ثم أغلق الدرج من جديد وعاد لفراشه
عسى أن يستطيع النوم ولكنه لم ينم استحوذت ملك وقلقه بشأنها على تفكيره حتى تسرب الوقت من بين يديه وهو لا يشعر
لابد من حل لحيرته مضى وقت ليس بقليل وهو يفكر في نفس الموضوع لماذا هي الآن برفقته هنا ومن أي شئ يحميها
لم يرتح يونس في جلسته إطلاقا قضى وقته يتنقل من فراشه إلى الأريكة ثم للشرفة ثم خرج للحديقة لم يجد ميلا لمداعبة خيوله الأصيلة حيث يملك واحدة من أكبر مزارع الخيول
في مصر وأشهرهم على الإطلاق
ترك كل ذلك وعاد إليها حتما سيصل لمبتغاه كما اعتاد دائما سيصل إلى السبب وراء احتجازها هنا
دلف يونس بعدما طرق الباب فوجدها تجلس على الأرضية مستندة بظهرها على الفراش ف مشى خطوة وقال
أنا